لماذا تشهد سوق الأسهم تقلبات؟ وكيف يتصرف المستثمر؟

“دببة أم ثيران؟”.. هذا هو السؤال الذي يطرحه الكثير من المتعاملين في سوق الأسهم، حيث إن للتعامل مع الاتجاهين استراتيجيات مختلفة تماما، سواء بتوقيتات البيع أو الشراء وبفترات الاحتفاظ بالأسهم، ولكن تبقى الحيرة أكبر باستمرار مع سوق متقلبة، لا تظهر ملامح الصعود الواضح وكذلك لا تظهر اتجاها هبوطيا ملموسا.

ويمكن القول بأن سوقا غير مستقرة هي تلك التي قد تنخفض فيها المؤشرات العامة للأسهم بنسبة 1% أو أكثر في يوم، ثم تعود للارتفاع بنفس النسبة تقريبا في اليوم التالي، لتعاود الانخفاض تاليا، وهكذا، وذلك دون أن يكون العامل الرئيس في ذلك متعلقًا بالمؤثرات الرئيسية داخل السوق من توزيع أرباح وإعلان بيانات مالية وغيره.

للتذبذب أسباب

ويرجع وجود هذه السوق غير المستقرة في الاتجاه إلى العديد من الأسباب، لعل في صدارتها زيادة عدد العناصر المتغيرة بشدة التي تؤثر على السوق، حيث غالبا ما تكون غالبية العناصر تتغير ببطء أو في اتجاه واضح، بينما يتقلب عنصر أو عنصران بما يجعل تحليل السوق وفهمها أسهل، بينما تصبح غالبية العناصر “غير مستقرة” في حالة السوق المتقلبة.

وتصف شركة “تشارلز شواب” لإدارة الاستثمارات السوق المتذبذبة بأنها هذه “التي تتأثر بوباء مثلا أو بتغير مستمر في أسعار الفائدة ونسب البطالة، وتهددها مخاوف عدة متعلقة بالبطالة والإنتاج، وتشهد عدم استقرار في أسعار المواد الأولية، فضلا عن وجود حالة من عدم الاستقرار الجيوسياسي محليًا او عالميًا أو كليهما”.. ويبدو هذا التعريف كما لو كان يصف حال الاقتصاد العالمي حاليًا بكل دقة.

وعلى سبيل المثال، فالسؤال الذي يطرحه الكثير من المتعاملين في سوق الأسهم الأمريكية حاليًا هو أي الأزمتين ستستحوذ على أولوية الحكومة الأمريكية، هل هي مخاوف الركود مع تسجيل الولايات المتحدة لمعدل نمو 2.2% في عام 2022 وهو أقل كثيرًا مما كان متوقعًا بما ينذر باحتمالات الركود العام الحالي أم سيبقى التضخم والوصول لنسبة 2% هو “الهاجس” لدى الإدارة الأمريكية.

ولذلك ففور إعلان الفيدرالي الأمريكي عن توقعه، في الرابع عشر من ديسمبر 2022، بأن يكون مستوى 5.1% للفائدة هو المتوسط خلال عام 2023، بينما لا يتجاوز حاليا 4.25-4.5% تراجعت كافة مؤشرات الأسهم الأمريكية في اليوم التالي، فتراجع “مؤشر ستاندرد آند بورز 500” بنسبة 2.5% وتراجعت أسهم “ناسداك” للتكنولوجيا بنسبة 3.4%، وتراجع مؤشر “داو جونز” الصناعي بنسبة 2.25%، وكأن الأسواق “تفاجأت” بهذا المستوى المتوقع لسعر الفائدة.

التقلب “أساسي” في سوق الأسهم

الشاهد أن هذا يعكس وجود قدر من الضبابية في الرؤية التي تجعل استجابة الأسواق آنية ومتقلبة بشدة، لا سيما مع ارتفاع سابق للأسواق خلال أسابيع سبقت هذا التراجع، وذلك خلافًا للتحسب التدريجي الذي حدث خلال 2022 بشكل عام مع وجود سوق أمريكية غلب عليها اتجاه التراجع خلال العام مع استمرار التوجه الواضح للفيدرالي الأمريكي لرفع الفائدة بما يشكك في احتمالات استمرار النمو.

أما في حالة الأسواق المستقرة، فإنه إذا كانت هناك توقعات بنتائج جيدة لشركة ما، فإن سعرها يبدأ في الارتفاع من قبل الإعلان الفعلي عن هذه النتائج، لذا فإنه يتم “تسعير معظم الحماس” أي تحويل الرغبة في شراء السهم إلى واقع ينعكس على سعره بما يجعل صعوده تدريجيًا ومتوقعا.

ويقول “غاري بيكر” الحائز على جائزة “نوبل” في الاقتصاد عام 1992، عن آلية تفاعل الإنسان مع الأسواق، إن الكثيرين لا يدركون أنه من طبائع سوق الأسهم عدم الاستقرار، مشيرا إلى أن “الشائعة المنتشرة” في الولايات المتحدة بأن الاستثمار في سوق الأسهم يحقق عائد 10% على الأقل سنويًا ليست صحيحة على الإطلاق ولكنها تقود كثيرين إلى دخول السوق وخسارة أموالهم بها لأنهم يعتقدون بأن المكسب “محقق” ومضمون.

ويضيف “بيكر” أن الضمانة الوحيدة في سوق الأسهم هي بذل الجهد في التحليل الفني والأساسي بل والاقتصادي العام وقراءة المشهد ككل وليس تفاصيله الجزئية فحسب، حيث إن “إبقاء عين المستثمر على الشاشات” باستمرار كفيل بزعزعة ثقته في تقييماته المبنية على دراسة جيدة مع استمرار أسعار الأسهم في الصعود والهبوط على مدار اليوم.

ويشير “بيكر” إلى أن أقل من 10% من المستثمرين هم الذين يتمكنون من تلافي آثار الصعود والهبوط المستثمر في حالات عدم استقرار الأسواق في اتجاه صعودي أو هبوطي (دببة أو ثيران) لأن هؤلاء من يمتلكون الثقة في تقييماتهم لحيازتهم من الأسهم ويظلون على قراراتهم الاستثمارية التي تم اتخاذها بعد دراسة وافية بالطبع، ولا يجزعون مع موجات البيع ولا يطمعون مع نوبات الشراء.

متداولون “عشوائيون”

وهناك عامل مهم للغاية فيما يتعلق بـ”فوضى” سوق الأسهم وتتعلق بأن قرابة 40-60% من المتداولين هم “عشوائيون بالكامل” وفقا لم تصفه أكثر من دراسة عن الأسواق وكثير منهم يتعاملون بـ”مال فائض عن الحاجة” وبالتالي ليست لديهم مشكلة كبيرة في خسارته بما يزيد من حالة عدم اليقين والاستقرار في أسواق الأسهم.

والشاهد أن تعدد الأطراف المؤثرة على سوق الأسهم تجعل التنبؤ بها دائماً أمرًا صعبًا للغاية، وهو ما تحاول نظرية الألعاب القيام به مثلا، ومع استعراض العوامل التي تزيد من الصبغة العشوائية في الأسواق المالية فإن هذا الأمر لا يجعل التنبؤ مستحيلًا لكنه يزيد الأمر صعوبة بالتأكيد لأن المتعامل يصبح مطالبًا بالتحسب لعشوائية غيره أحيانًا.

تلافي تأثيرات “الخوف” و”الطمع”

ويرى “جيسي ليفرمور” وهو أحد أهم المتداولين إبان فترة الكساد الكبير أنه يجب على المستثمر أن يقيم تأثير “الخوف” وتأثير “الطمع” خلال فترات عدم الاستقرار، وبناء على ذلك يتحرك في السوق، وذلك بعد القيام بتحليل واف لفترة طويلة للسوق.

ويضرب “ليفرمور” مثالا بمتابعة سهم شركة عند 45 دولارًا، ليجد أن سعرها يرتفع حتى 50 دولارًا ويبدأ المتداولون في البيع خوفا من الانخفاض، ثم يعاود الانخفاض إلى 44 دولارًا مثلا ثم يعاود الارتفاع إلى 49 دولارًا وهكذا.

هنا يدرك المتداول المتابع بشكل جيد (قبل انخراطه في البيع أو الشراء بأي شكل) أن مستوى 44-45 هو مستوى الشراء لهذا السهم، ومستوى 49-50 هو مستوى البيع، ويتصرف بناء على هذه الملاحظة، وبالتالي يشتري ويبيع وفقًا لمستويات واضحة وليس بشكل عشوائي قائم على “الإحساس”.

ولا يكتفي المتداول هنا بمتابعة سهم واحد بهذا الشكل بل يتابع عددا كبيرا من الأسهم لكي يضمن تنويع محفظته الاستثمارية من جهة، ولكي يتجنب قواعد السوق التي تمنع قيامه بشراء نفس السهم الذي باعه لفترة زمنية تختلف باختلاف الأسواق.

وبشكل عام ومع السوق المتذبذبة، فإن هناك استراتيجيتين الأولى للمضاربة وتقوم على منهج “ليفرمور” بالمتابعة الدقيقة لعدد كبير من الأسهم والدخول والخروج من السوق في نقاط محددة بدقة نتيجة للمتابعة الدقيقة للسوق بغية استغلال حالات الصعود أو التراجع المؤقتة.

أما الاستراتيجية الثانية فتقوم على الاستحواذ على الأسهم الأكثر استقرارًا والأقل تعرضًا للتقلبات، وذلك أيضا بمراقبة أداء الأسهم ولكن لفترات أطول، وبالابتعاد عن قطاعات مثل التكنولوجيا أو المواد الأولية لتلافي التقلبات الشديدة في تلك الأسواق بما ينعكس على أسعار الأسهم فيها.

وبكل الأحوال سواء كانت الاستراتيجية الأولى أو الثانية، للمضاربة أو للاستثمار طويل المدى، فإن السوق المتقلبة تختبر –وبشدة- قدرة المتداول والمستثمر على قراءة المشهد العام وتحليل بيانات الشركات في نفس الوقت، بما يجعلها السوق الأشد خطورة “لغير ذوي الخبرة”.

شاهد أيضاً

الدولار يستقر عند 0,307 دينار واليورو عند 0,328

استقر سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الدينار الكويتي اليوم الثلاثاء عند مستوى 307ر0 دينار كما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كويت نيوز

مجانى
عرض