(كونا) – استذكر معرض الكويت الدولي الـ48 للكتاب مسيرة الشاعر الراحل أحمد مشاري العدواني أحد أعلام الفكر والثقافة والأدب في الكويت ومؤلف كلمات النشيد الوطني وذلك من خلال ندوة انطلقت الأحد بعنوان (أحمد مشاري العدواني.. شاعر الوطن وأيقونة الثقافة العربية) في المقهى الثقافي بأرض المعارض الدولية بمنطقة مشرف بحضور ومشاركة عدد من المختصين والمهتمين.
وفي مستهل الندوة التي تتواصل غدا تم عرض فيلم وثائقي أنتجه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عن أمينه العام الراحل الشاعر العدواني المولود في عام 1953 وصفه خلاله الشاعر الدكتور خليفة الوقيان بـ”رمز من رموز الثقافة في الوطن العربي”.
وتناول الفيلم الوثائقي دور العدواني الذي آمن بأن (الكلمة ليست فقط وسيلة تعبير بل وسيلة بناء) في تأسيس رابطة الأدباء الكويتيين ومجلة البيان ووضع اللبنات الأساسية الأولى لمشاريع ثقافية مثل مجلة (عالم الفكر) وسلسلة (عالم المعرفة) وسلسلة (المسرح العالمي) والمعهد العالي للفنون الموسيقية.
وتطرق العمل الوثائقي إلى الإسهام الأكبر في مسيرة العدواني المتمثل في تأليف كلمات النشيد الوطني للبلاد والتي أسهم من خلالها في غرس حب الوطن في ذاكرة كل كويتي.
ووفق الفيلم الوثائقي فإن العدواني كان مدرسا مميزا حيث درس في المدرسة القبلية ثم ثانوية الشويخ ليلتحق بالعمل التربوي في دائرة المعارف حينئذ وكان له دور كبير في تطوير المناهج.
بدوره قال معد أحمد العدواني نجل الشاعر الراحل إنه والده كان هادئا وقليل الكلام ويسرح في أفكاره وكان يهتم بقضايا تخص الطفل العربي والتربية والتعليم والشعر والأسرة.
في الجلسة الأولى من الندوة التي أدارها الدكتور محمد البغيلي تحدث كل من أستاذ أدب الطفل ومناهج اللغة العربية في جامعة الكويت الدكتور علي الجعفر وأستاذ الفلسفة في (الجامعة) الدكتور عبدالله الجسمي عن نشأة الشاعر الراحل وتكوينه الفكري ودوره الثقافي.
وقال الجعفر إن الاحتفاء بالشاعر أحمد العدواني هو تكريم لجيل كامل أسس للثقافة الكويتية الحديثة مبينا أن علاقته الوجدانية بالعدواني بدأت عام 1984 منذ أن اقترب من شعره وتأثر بصوته الإبداعي الذي رافقه في بدايات تكوينه الثقافي.
وأوضح أن شهادته ليست نصا عابرا كتب خصيصا للندوة بل ثمرة أربعين عاما من القرب الروحي والتأمل في تجربة العدواني مستطردا أن “الشهادة ليست تسجيلا لوقائع بل حياة تستعاد وذاكرة تبقي الماضي حيا وترسم منه جسورا نحو المستقبل” بما يجعل تجربة العدواني ماثلة في وجدانه وفكره حتى اليوم.
وروى أول لقاء جمعه بالعدواني في (الوطني للثقافة) عام 1984 حين قدمه أستاذه خالد سعود الزيد إليه بوصفه معجبا بشعره واستقبل العدواني الشاب بترحاب وتواضع لتبدأ رحلة امتدت ست سنوات تعلم خلالها الجعفر معنى الجمع بين الهيبة والتواضع وكيف يجتمع الشعر بالحكمة والإنسانية في شخصية واحدة.
واستعرض الجعفر مجالسه الأسبوعية مع العدواني التي حضرها أحيانا الدكتور عبد الرزاق العدواني وكانت مجالس ثرية تمتزج فيها المعرفة بالشعر والفكر بالإنسان مبينا أن “الشعر عند العدواني كان رؤية للحياة والكتاب نافذة لفهم الإنسان فغدا مجلسه مدرسة في الذوق والفكر والمعرفة”.
وتطرق إلى وعي العدواني الشعري والفني فهو “شاعر أصيل حمل هويته دون أن يتخلى عن التجديد وأنجز صناعات ثقافية ثقيلة”.
بدوره أكد الدكتور عبدالله الجسمي أن الشاعر أحمد العدواني “من الشخصيات المؤثرة في مسيرة الكويت الحديثة من النواحي الثقافية والتربوية والإنسانية وأحد رجالاتها البارزين”. وقال الجسمي إن “المجتمع الكويتي.. مجتمع مدني والعقل الكويتي منفتح ومتفاعل الأمر الذي جعل دولة الكويت رائدة في مجال الثقافة” مضيفا أن “طبيعة الكويتيين أثرت بشكل كبير في سلوك وفكر الشاعر أحمد العدواني الذي تبنى بيئة ثقافية منفتحة وعقلانية وكانت جزء من الحركة الثقافية العربية”.
وذكر أن العدواني كان شاعرا تنويريا من الطراز الأول ولعب دور مهم جدا في التنوير سواء في كتاباته أو إنجازاته مبينا أن السلاسل التي أصدرها كان لها الأثر الكبير على المستوى العربي ولاقت إشادة كبيرة.
وفي الجلسة الثانية التي أدارها الدكتور محمد بن ناصر تحدث كل من أستاذ النقد الأدبي الحديث الدكتور عباس الحداد والأديب والروائي طالب الرفاعي عن (مكانة الشاعر أحمد العدواني الثقافية والأدبية).
وقال الدكتور الحداد إن أحمد العدواني نشأ في بيئة كويتية تقدر الأدب والعلم فقد كانت مكتبة والده العامرة أول أبواب المعرفة التي انفتح عليها وهذا الجو أسهم مبكرا في تكوينه الثقافي ومع سفره إلى القاهرة ضمن أول بعثة دراسية سنة 1939 تلقى عدواني تعليما عميقا في كلية اللغة العربية بالأزهر ما أكسبه أساسا علميا وثقافيا رصينا.
وأكد الحداد أن العدواني كان أحد رواد صناعة الثقافة في الكويت منذ منتصف القرن العشرين إذ شارك بفعالية في المجال التربوي ثم تولى مناصب قيادية في دائرة المعارف ووزارة التربية والإعلام وفي ذروة عطائه أسهم في تأسيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عام 1973 وشغل منصب أمينه العام ليصبح أحد أبرز مهندسي المشروع الثقافي الكويتي الحديث.
وبين أن العدواني تميز بمزيج من الأصالة والتجديد فقد استفاد من التراث العربي العريق لكنه لم يقع في التقليد واتجه إلى التجريب والتحديث في رؤيته وفكره وعرف بعمق ثقافته واتساع اطلاعه حتى اعتبره الباحثون من أكثر الشخصيات الفكرية تأثيرا في الحركة الثقافية الكويتية والعربية خلال القرن العشرين.
وقال إن أثر العدواني تجلى في المؤسسات التي ساهم في تأسيسها وفي السياسات الثقافية التي وضعها وحاز تقديرا واسعا منها جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (1980) واختاره مجمع اللغة العربية بالقاهرة مراسلا له في الكويت وقد استمرت مكانته بعد رحيله إذ يحتفى به اليوم بوصفه رمزا من رموز الثقافة العربية وأحد بناة النهضة الثقافية في الكويت.
من جهته رأى الشاعر الدكتور خليفة الوقيان أن صداقة الطفولة التي جمعت أحمد العدواني بعبدالعزيز حسين ثم زمالتهما المدرسية وسفرهما معا ضمن أول بعثة تعليمية إلى القاهرة عام 1939 كانت نواة لقيام أحد أهم ثنائيات الثقافة الحديثة في الكويت فـ”هذه الشراكة أنتجت مشاريع ثقافية مؤثرة مثل إصدار مجلة (البعثة) في القاهرة وأسست لثقة كبيرة جعلت عبدالعزيز حسين يختار العدواني ليكون الأمين العام الأول للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب عام 1973″.
وبين الرفاعي أن عودة العدواني إلى الكويت تزامنت مع بداية مرحلة اقتصادية واجتماعية جديدة بعد تصدير أول شحنة نفط عام 1946 وكان العدواني من أوائل المثقفين الذين لبوا نداء الوطن في مرحلة التأسيس مسهما في تشكيل الهوية الوطنية الكويتية الحديثة ومقدما الفكر والثقافة بوصفهما أساسا للنهضة.
ولفت إلى أن أبرز سمات العدواني كانت ابتعاده عن الأضواء وحرصه على خدمة الكويت قبل ذاته فقد اقترنت مكانته بالأثر الذي تركه في المجتمع حتى أصبح صوته حاضرا في وجدان الشعب الكويتي عبر أنشودته الخالدة “وطني الكويت سلمت للمجد” مضيفا أن هذا الإخلاص العميق هو ما جعل العدواني حاضرا في ذاكرة الكويت وأهلها.
وذكر أن العدواني رغم موهبته الشعرية البارزة لم ينشغل بإصدار دواوين كثيرة إذ شغله العمل الثقافي العام لذلك تأخر ديوانه الوحيد (أجنحة العاصفة) إلى عام 1980 ثم صدرت بعد وفاته مجموعتا (أوشال) و(صور وسوانح).
وأشار الرفاعي إلى أن شعر العدواني يعكس رؤية إنسانية واسعة تجمع بين المحلي والعربي والعالمي لكنه رأى أن أمته تحتاج إلى حراك فكري فكرس جهده للمجلس الوطني وإصداراته التي أصبحت من الأكثر تأثيرا في العالم العربي.
وتستكمل الندوة جلساتها الثالثة والرابعة يوم غد حيث يشارك فيها الدكتور خالد رمضان والدكتور خالد القلاف والدكتور محمد الديهان والدكتور سعود الحربي والأديبان حمزة العليان وطلال الرميضي.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *