أصبحت أجهزة مراقبة الجلوكوز المستمرة (CGM) من أهم الابتكارات الطبية في مجال إدارة مرض السكري، حيث تقدم للمريض وللطبيب رؤية دقيقة ومباشرة لمستويات السكر في الدم على مدار الساعة، ما يسهم في تحسين السيطرة على المرض وجودة الحياة.

إلا أن استخدام هذه الأجهزة لم يعد مقتصراً على المصابين بالسكري، إذ باتت تلقى رواجاً بين الأصحاء، خاصة بين المهتمين بتحسين صحتهم العامة.

وفي هذا السياق، حذّرت نانسي أوليفيرا، مديرة قسم التغذية والعافية في مستشفى بريغهام التابع لجامعة هارفارد، من الإفراط في الاعتماد على هذه الأجهزة رغم فوائدها الكبيرة.

وقالت: «تساعد أجهزة مراقبة الجلوكوز مرضى السكري ومن هم في مرحلة ما قبل السكري على تتبع معدلات السكر وفهم تأثير نمط الحياة في هذه المستويات.

لكن مع سهولة الحصول عليها دون وصفة طبية، بدأ بعض الأشخاص الأصحاء باستخدامها لمراقبة تأثير النظام الغذائي والتمارين الرياضية في سكر الدم».

وأضافت أوليفيرا أن مراقبة مستويات الجلوكوز يمكن أن تفيد الجميع تقريباً في تبني عادات صحية أفضل والتغلب على مشكلات مثل التعب، والرغبة الشديدة في تناول الطعام وتقلب المزاج.

لكنها شددت على أهمية عدم التعلق المفرط بقراءات الجهاز، مشيرة إلى أن بعض المستخدمين أصبحوا مهووسين بمتابعة الأرقام دون فهم علمي كافٍ لمعناها، ما يستدعي استشارة اختصاصي تغذية أو طبيب متخصص.

◄ لماذا يُصاب البعض؟

توضح أوليفيرا أن العوامل الوراثية تلعب دوراً في خطر الإصابة بمقدمات السكري أو داء السكري، إلا أن أنماط الحياة غير الصحية تظل العامل الأبرز. فالسمنة، وارتفاع التوتر، وقلة النوم، والخمول، جميعها تؤثر في قدرة الجسم على معالجة السكر.

وتضيف: «رغم أن السمنة من العوامل الرئيسية للإصابة، فإن هناك أشخاصاً بوزن صحي يُشخَّصون بمقدمات السكري نتيجة تراكم عادات غير صحية على مدار سنوات، مثل قلة الحركة والحرمان من النوم والضغوط المزمنة، وهي عوامل تضعف استجابة الجسم للأنسولين».

◄ ارتفاع الخطر لدى النساء

وتلفت أوليفيرا إلى أن مرحلة انقطاع الطمث تمثل فترة حرجة تزداد فيها احتمالية الإصابة بمقدمات السكري، إذ يؤدي انخفاض هرموني الإستروجين والبروجسترون إلى زيادة تراكم الدهون في منطقة البطن. وتوضح: «تراكم الدهون في هذا الجزء من الجسم يرتبط بمقاومة الأنسولين، حيث يظل الجسم ينتج الأنسولين، لكنه لا يستخدمه بكفاءة».

◄ متى يُنصح بالفحص؟

وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، تستمر معدلات الإصابة بمرض السكري في الارتفاع، حيث ازدادت بشكل ملحوظ على مدار الخمسة والعشرين عاماً الماضية.

وتُوصي الجمعية الأمريكية للسكري جميع البالغين الذين تبلغ أعمارهم 35 عاماً فأكثر، بغض النظر عن عوامل الخطر، بإجراء فحص مرة واحدة على الأقل كل 3 سنوات للكشف عن مقدمات السكري وداء السكري.

فيما ينصح من لديهم عوامل الخطر بالفحص مرة سنوياً على الأقل.

◄ فوائد مراقبة السكر

بينت دراسات عدة ارتفاع الإصابة بمرحلة ما قبل السكري (مقدمات السكر) التي تصف ارتفاع مستوي سكر الدم فوق المعدل الطبيعي، ولكن ليس بما يكفي لتشخيصه على أنه داء السكري من النوع الثاني.

وهي حالة خفية لا تظهر عادةً أي علامات تحذيرية. ويعتبر استخدام هذا الجهاز لإدارة وعلاج هذه المرحلة من السكر بالإضافة إلى أمراض السكر أمر مثبت ومفيد جداً.

ووفقاً للاختصاصية أوليفيرا، فإن الانتباه لمستويات سكر الدم بشكل عام يُمكن أن يُساعك في تحقيق مجموعة من الأهداف الصحية، بدءاً من تجنب الخمول بعد الظهر، وصولاً إلى الحد من الرغبة الشديدة في تناول الطعام، وتحسين المزاج، والتحكم في الوزن.

وقالت موضحة: «للحصول على هذه الفوائد، من المفيد فهم كيفية تفاعل الجسم مع أنواع مختلفة من الأطعمة. فعندما نتناول وجبات غنية بالكربوهيدرات، على سبيل المثال، يرتفع سكر الدم فجأةً، ثم ينخفض فجأةً بعد فترة وجيزة، ما يجعلنا نشعر بالإرهاق وتقلبات مزاجية غير متوقعة. ولكن عند تناول وجبات خفيفة متوازنة تحتوي على البروتين والدهون والكربوهيدرات، نحافظ على استقرار مستويات سكر الدم، ونحافظ على ثبات مستويات الطاقة».

◄ الطعام ليس السبب الوحيد

من الضروري إدراك أن الطعام ليس السبب الوحيد لارتفاع مستويات سكر الدم، فقد يؤدي التوتر المزمن أو الحرمان من النوم أو المرض العابر إلى ارتفاعها أيضاً.

وتقول أوليفيرا: «أفضل طريقة للتعامل مع الرغبة الشديدة في تناول الطعام وتقلبات المزاج هي الحفاظ على نطاق محدود من تقلبات سكر الدم، بحيث لا يرتفع أو ينخفض كثيراً. فإذا انخفض كثيراً، فستتناول طعاماً أكثر من اللازم لاحقاً بسبب الجوع الشديد. أما إذا ارتفع كثيراً، فسيؤثر سلباً في المزاج والوزن والطاقة. وقد تشعر حينها بانهيار عصبي، ما يجعلك تشعر بالتعب والإلحاح الشديدين لتناول السكريات والطعام الدسم للحصول على طاقة».

طرق ضبط سكر الدم

تقترح الاختصاصية أوليفيرا الاستراتيجيات التالية للحفاظ على استقرار مستويات السكر في الدم:

1 – حدد مواعيد وجباتك:

تناول الطعام على فترات منتظمة، ويُفضل كل ثلاث ساعات، لمنع التقلبات الحادة في سكر الدم. تقول أوليفيرا: «إذا كنت لا تأكل لمدة خمس ساعات خلال اليوم، ثم فجأةً تتناول الكثير من الطعام، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى اتساع تقلبات سكر الدم».

2 – اضبط حجم الحصص:

تنصح الاختصاصية أوليفيرا بتناول كمية طعام مناسبة (معتدلة) إلى جانب تنظيم مواعيد الوجبات، وهذا «أفضل خيار لك للحفاظ على ثبات مستوى سكر الدم ضمن نطاق ضيق».

3 – إعطاء الأولوية للأطعمة الصحية:

ينصح باتباع نظام التغذية المتوسطي الغني بالفواكه والخضار والبقوليات والحبوب الكاملة والمكسرات والمأكولات البحرية والدواجن منزوعة الجلد. فهذه الأطعمة تشعر بالشبع لفترة أطول وتقلل تقلبات سكر الدم.

4 – الحرص على الحركة والرياضة:

استهدف ممارسة 30 دقيقة أو أكثر من التمارين الرياضية المعتدلة إلى الشديدة خمسة أيام على الأقل في الأسبوع. فالتمارين الرياضية تُحسّن قدرة الجسم على استخدام الأنسولين الذي يُنتجه.

5 – تجنب التدخين:

التدخين يؤثر بشكل غير مباشر في مستوى السكر في الدم عن طريق زيادة مقاومة الأنسولين.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *