بينما نعيش في زمنٍ تتسارع فيه المعلومات وتتزايد الضغوط التعليمية والمهنية، برزت تقنية معرفية قديمة جديدة تُعرف باسم «التعلُّم الزائد» (Overlearning)، أثبتت فعاليتها في ترسيخ المعرفة وجعلها جزءاً من الذاكرة طويلة الأمد.

وتقوم هذه النظرية على مبدأ بسيط مفاده أن مواصلة التدريب والمراجعة بعد بلوغ مرحلة الإتقان تعزّز الاحتفاظ بالمعلومة وتُحوّلها إلى مهارة ذهنية تلقائية.

ووفقاً لتقرير نشره موقع «لايف هاكر» المتخصص في تطوير الذات، فإن «التعلُّم الزائد» يُعرّف بأنه الاستمرار في الممارسة حتى بعد تحقيق الإتقان الكامل للمعلومة أو المهارة.

وتشير الجمعية الأميركية لعلم النفس إلى أن هذه الممارسة تؤدي إلى «زيادة استقرار التعلم مع مرور الوقت وتحسين الذاكرة». ويستند المفهوم إلى دراسات عالم النفس الألماني هيرمان إيبنغهاوس، الذي وضع «منحنى النسيان» في القرن التاسع عشر، وأثبت أن الذكريات تتضاءل بمرور الوقت إذا لم تُدعّم بالتكرار المنتظم.

وشرحت الكاتبة ليندسي إليفسون أن الفكرة الجوهرية للتعلّم الزائد تكمن في تجاوز نقطة الاكتفاء الذهني، أي الاستمرار في مراجعة ما تم تعلمه حتى يصبح جزءاً من العمليات الذهنية التلقائية، كما يحدث مع القصص التي نرويها مراراً حتى نحفظها عن ظهر قلب.

وبهذه الطريقة يتحوّل استرجاع المعلومة إلى عملية آلية لا تتطلب مجهوداً واعياً، ما يحرر مساحة في الذاكرة العاملة للمهام الأكثر تعقيداً.

وأوصت إليفسون بتطبيق «التعلُّم الزائد» في مختلف مجالات الدراسة والعمل، سواء في حفظ النصوص أو تعلم اللغات أو المهارات التقنية. وتشير إلى أن استخدام أدوات مثل «بطاقات الفلاش» وطريقة «ليتنر» في المراجعة المتباعدة يعزز من فعالية التعلم ويزيد من عمقه.

وتؤكد أن التوقف عن المراجعة فور الشعور بالإتقان هو الخطأ الشائع الذي يجعل كثيرين ينسون بسرعة ما تعلموه.

وأضافت أن أفضل النتائج تتحقق عندما يتم توزيع فترات المراجعة على فترات زمنية متباعدة، بدلاً من تكثيفها في جلسة واحدة، إذ يساعد ذلك الدماغ على ترسيخ المعلومات بشكل أعمق من خلال ما يُعرف بعملية «الترسيخ العصبي».

وتشدد على أن «التعلُّم الزائد» لا يقتصر على الطلبة، بل يفيد المهنيين والمبدعين الذين يسعون إلى تطوير مهاراتهم وتحقيق التميز عبر الممارسة المستمرة لما يتقنونه.

وخلص التقرير إلى أن هذه التقنية تمثل فلسفة تعليمية قائمة على الصبر والمثابرة، تذكّر بأن النجاح لا يتحقق بتعلّم جديد فقط، بل بإتقان ما نعرفه حتى يصبح جزءاً منا، وهو ما يضمن الاحتفاظ بالمعرفة لمدى الحياة.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *