لا يزال تأثير الحرمان من النوم في الدماغ البشري غير معروف إلى حد كبير، ولسنوات كان يُعتقد أن التأثيرات المصحوبة بضعف إدراكي مثل الأداء الرديء في اختبارات الذاكرة القصيرة المدى يمكن أن تُعزى في المقام الأول إلى مادة كيميائية تسمى الأدينوزين، وهي ناقل عصبي يثبط النبضات الكهربائية في الدماغ، حيث لوحظت طفرات في الأدينوزين باستمرار لدى التجارب على الفئران، وحتى على البشر الذين حرموا من النوم.

ومع ذلك، يمكن تصحيح مستويات الأدينوزين بسرعة بعد بضع ليال من النوم الجيد، كما أن بضع ليال من النوم السيئ غالباً ما يتبعها الترنح وصعوبة التركيز والتهيج وتقلب المزاج والنعاس.

اكتشف العلماء شيئاً جديداً وهو أن النوم المتأخر أو بقاء الشخص مستيقظاً لفترة متأخرة في الليل، ثم استيقاظه مبكراً، قد يؤدي إلى تلف أجزاء في المخ، فقد تطرقت دراسة حديثة نُشرت في مجلة Trends in Neurosciences إلى التأثيرات العصبية الطويلة المدى للحرمان من النوم عند كل من الحيوانات والبشر، ووصلت إلى أدلة على أن قلة النوم على الأرجح تؤدي إلى تلف طويل الأمد في الدماغ وزيادة خطر الاضطرابات التنكسية العصبية، مثل مرض ألزهايمر.

وتقول ماري إلين ويلز عالمة النوم في جامعة نورث كارولينا: «هذا أمر مهم حقاً في تمهيد الطريق لما يجب القيام به في مجال صحة النوم وعلوم النوم».

الأرق القسري

من المعروف منذ فترة طويلة أن فترات الحرمان الشديدة من النوم ضارة بالصحة، حيث استخدم الأرق القسري لقرون عدة كعقاب وتعذيب للسجناء، ففي أول دراسة تجريبية عن الحرمان من النوم نشرتها العالمة الروسية ماريا ماناسينا عام 1894، أُجبرت الفئران على البقاء مستيقظة من خلال التحفيز المستمر، فنتج عنها موت الفئران في غضون خمسة أيام، وعند فحص أجسادها بعد ذلك، لاحظت ماناسينا أن هناك تغييرات حدثت في الدماغ لا يمكن إصلاحها، ونتج عن ذلك أيضاً نزيف الأوعية الدموية وتآكل الأغشية الدهنية، وخلصت بذلك العالمة ماناسينا إلى أن «الغياب التام عن النوم أكثر فتكاً بالحيوانات من الغياب التام عن الطعام».

الذاكرة والتعلم

بعد مسح الدراسات السابقة للفئران المحرومة من النوم، والتي أجرى العديد منها الدكتور سيغريد فيسي عالم الأعصاب بجامعة بنسلفانيا، وجد الباحثون أنه عندما بقيت الحيوانات مستيقظة لبضع ساعات فقط أكثر من المعتاد كل يوم تأثر جزءان رئيسيان من الدماغ بشكل ملحوظ، حيث تأثر الموضع الأزرق المسؤول عن إدارة مشاعر اليقظة، والحُصين الذي يلعب دوراً مهماً في تكوين الذاكرة والتعلم.

هاتان المنطقتان اللتان تعتبران مركز الحفاظ على التجربة الواعية عند البشر تبطئان إنتاج الحيوانات لمضادات الأكسدة، التي تحمي الخلايا العصبية من الجزيئات غير المستقرة التي يتم إنتاجها باستمرار، عن طريق الخلايا العاملة، فعندما تكون مستويات مضادات الأكسدة منخفضة، يمكن لهذه الجزيئات أن تتراكم وتهاجم الدماغ من الداخل، فتكسر بذلك البروتينات والدهون والحمض النووي.

موت الخلايا

يقول الدكتور فرنانديز: «اليقظة في الدماغ لفترة طويلة لها تأثير خطير، حيث إن بقاء الخلايا نشطة لمدة %30 أكثر من الوقت المحدد لها كل يوم يؤدي إلى موتها».

وفي أدمغة الفئران، أدى الحرمان من النوم إلى موت الخلايا بعد أيام قليلة، وهي عتبة أقل بكثير لتلف الدماغ مما كان يعتقد سابقاً، كما تسبب أيضاً في حدوث التهاب في قشرة الفص الجبهي وزيادة مستويات بروتينات تاو والأميلويد، التي تم ربطها بأمراض التنكس العصبي، مثل ألزهايمر وباركنسون، في الموضع الأزرق والحصين.

ولاحظ الباحثون أنه بعد عام كامل من النوم المنتظم ما زالت الفئران التي كانت محرومة من النوم في السابق تعاني من تلف عصبي والتهاب في الدماغ. وبالنسبة للدكتور فيسي، فإن هذا يشير إلى أن الآثار كانت طويلة الأمد وربما دائمة، ومع ذلك أكد العديد من العلماء أن البحث الجديد لا ينبغي أن يكون سبباً للذعر».

معلومات بيّنتها التجارب

◄ ألزهايمر.. أحد أخطر التأثيرات العصبية الطويلة المدى للحرمان من النوم.

◄ الغياب التام عن النوم أكثر فتكاً من الغياب التام عن الطعام.

◄ بقاء خلايا الدماغ نشطة أكثر بـ%30 من الوقت المحدد لها يومياً يؤدي إلى موتها.

◄ رغم النوم المنتظم لعام بعد الحرمان الطويل من النوم، تستمر المعاناة من تلف عصبي والتهاب في الدماغ.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *