وسط أربعة جدران تزخرفت بمئات التحف والمقتنيات الاثرية القديمة جلس الشاب عمر غندور ومجموعة من رفاقه يتأملون بكل دهشة قطع الأنتيك التي ميزت هذا المطعم التراثي واضفت على وجباته الشعبية نكهة لذيذة مختلفة.

الشاب الثلاثيني غندور والذي اعتاد منذ فترة ارتياد هذا المطعم الفريد من نوعه بجنوب لبنان أعرب لوكالة أنباء ((شينخوا)) عن شغفه بهذا المكان المميز الذي يعيده إلى الماضي الجميل، إلى زمن الأجداد الذين خلفوا هذا التراث الهادئ العريق المنافس وبكل قوة لكل الديكورات المزيفة في هذا الزمن الرديء.

وأضاف بتنا نقصد هذا المطعم الجذاب الأقرب إلى متحف تراثي لما يحويه من قطع اثرية نادرة تذكرنا بحقبة زمنية عاشها أجدادنا لا تشبه ما وصلنا اليه من تردي اقتصادي ومعيشي قلبت حياتنا إلى ما يشبه الجحيم.

أكثر من 15 الف قطعة تراثية حرص صاحب المطعم علي زينب، على تنسيقها وترتيبها بكل اتقان ومهنية داخل خزائن وفوق رفوف خشبية داكنة الألوان في بلدته كفر رمان إلى الغرب من مدينة النبطية بجنوب لبنان.

وخلال انكبابه على تحضير وجبة طعام قال زينب لـ((شينخوا)) إنه عمل خلال أكثر من 15 عاما في التفتيش وجمع هذه القطع، بحيث كان يجول وعلى مدى ساعات طويلة في القرى المحيطة ليحظى بها مهملة داخل منازل الفلاحين وفي الأماكن المهجورة ومنسية وسط الحقول.
وبلهجة الواثق اضاف لقد باتت هذه القطع الأثرية تجذب المواطنين من كافة المناطق اللبنانية والذين يقصدون هذا المطعم للتمتع بمحتوياته التاريخية القيمة ووجباته الشعبية الطيبة المذاق المقتصرة على الفول والحمص والبليلة فقط.

وأضاف أن لوجبه الطعام هنا علاقة وطيدة بهذا التراث، بحيث يشعر الزبون بهدوء نفسي، يطرد معها مشاكله من خلال انشغاله بتجوال النظر إلى مجموعة الأسلحة القديمة والفؤوس والالات الموسيقية القديمة، وأباريق القهوة العربية والفوانيس والسراج وماكينة الخياطة ومحمص القهوة وجرن الكبة ومعدات الحراثة وغيرها من الأواني التي تجعل الجلسة في احضانها مختلفة.

“لقد انتشر صيت هذا المطعم”، كما أشارت لـ((شينخوا)) السيدة ليلى أبو عمر التي كانت تتناول طعام الغداء مع اطفالها الاربعة في المطعم “الذي لا مثيل له في الجنوب بل ربما في لبنان بشكل عام الذي يجمع الاكل والتراث معا”.

وقالت يصح القول إن هذا المطعم “المتحف” يجمع بين ثناياه كل تفاصيل حياة القرى قبل 100 عام خلت، فهذه المقتنيات تشكل التاريخ والماضي والحاضر والمستقبل.

وحول علاقة الفول بالتراث، قال زينب إن الفول أكلة تراثية كانت تعد سابقا داخل جرار فخارية ويتم وضعها داخل الفرن من المساء حتى الصباح لتنضج، وبعدها يتم اعدادها ووضعها في صحون فخارية.

جمال حمود أحد الزبائن الذي يتردد على المطعم بشكل دوري قال لـ((شينخوا)) مع الجلوس هنا تشعر وكانك في مكان خارج الزمن الحاضر.

وأشار إلى أن هذا المطعم بالنسبة له هو مكان يهرب اليه من مشاكل الحياة النفسية والمعيشية والاقتصادية ليتناول الوجبة الأحب إلى قلبه، على طاولة تجاور مذياعا قديما وربابة وشمعدان ومحدلة حجرية، فاللقمة مختلفة في ظل أسعار ما زالت منخفضة بالرغم من استفحال الاسعار بشكل عام.

ولفت زينب إلى “انتقادات عديدة تلقاها من كثر حول سبب جمعه هذا العدد الكبير من الأواني والتحف القديمة في مطعم ضيق المساحة بدل أن يعرضها في متحف تراثي، الا أنه لم يعرها أذانا صاغية”.

وقال “في ختام النهار ومع خلو مطعمي من الزبائن أجلس بين تحفي اتأملها واحدة واحدة أمسح عنها الغبار، فهي بالنسبة لي الروح والأمل، منها استمد العزم والقوة ومواصل هذه المسيرة في مكافحة الغلاء والتردي المعيشي المتفاقم في ظل ما يواجهه لبنان من ترددات اقتصادية صعبة ومؤلمة”.

ويعاني لبنان منذ العام 2019 من أزمات مالية واقتصادية وصحية ومن تدهور معيشي متصاعد وانهيار قيمة الليرة اللبنانية (الدولار الأمريكي الواحد يساوى نحو 1507 ليرات لبنانية) وتآكل المداخيل والمدخرات لإضافة إلى تصاعد البطالة والفقر وتراجع قدرات اللبنانيين الشرائية مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *