الشرعية والمشروعية في الفقه الدستوري الحديث

20130711-232131.jpg

كويت نيوز :

إن تأسيس السلطة السياسية يبتعد بنا عن جعل التحولات الديمقراطية خاضعة لطرح يقوم على اعتبار أن انتقال السلطة أولوية وعلى أن التداول مسألة حتمية ناتجة عن تفعيل الديمقراطية. إن رهن التحولات الديمقراطية لا بتأسيس السلطة وإنما بانتقالها هو طرح يبدو من خلال التعامل مع التداول تارة على أساس أنه بند من البنود المعطلة، الأمر الذي يتطلب وضعه موضع التطبيق، وأخرى على أساس أنه مبدأ. هنا أعرج أولا على النصوص القانونية والدستورية التي عندما تنظم وتضبط مسألة انتقال السلطة بإخضاع مؤسسة معينة للتجديد فإنها لا تضبط بالضرورة مسألة التداول وإنما تفسح المجال بصفة ضمنية لإمكانية التداول الذي تتحكم فيه عوامل، كالحزبية مثلا، لم تضبطها النصوص الدستورية خصوصا إذا كان الأمر يتجاوز الأشخاص إلى الأحزاب، والمؤسسة الرئاسية إلى المؤسسة الحكومية والتشريعية. هنا أعود إلى التداول لأقول بأنه سواء تم تناوله كبند أو كمبدأ ففي كلتا الحالتين يتم التعامل معه كما لو كان من قبيل الحتميات لا من قبيل الإمكانيات. إن اعتباره كأولوية تفسح المجال لانتقال السلطة لا يترتب عنه بالضرورة –وفي العمق تحول في الممارسة السياسية أو في طبيعتها، وذلك عن طريق إعادة هيكلتها، وكأننا، بفعل طرح كهذا، أمام مرجعية هيمنت لمدة طويلة ولا زالت رواسبها قائمة، تتمثل في البحث عن أقصر الطرق للوصول أو للاستيلاء على السلطة السياسية كبديل للعجز عن الوصول إليها بواسطة العنف. من هنا كان توظيف التناوب بالطريقة التي يبدو أنها لم تستوعب بعد متطلبات التأسيس التي لا بد لها من مقدمات ومراحل تنخرط بفعلها جميع القوى السياسية في عملية التحول الديمقراطي وتعمل على مد الجسور بين مفاهيم الثورة والإصلاح،

إن الشرعية والمشروعية يدخلان في علم السياسة والقانون الدستوري بقدر ما يتعلق الأمر بتعين السلطة التشريعية.الفقيه” اندريه هوريو” الفرنسي ـ يقول إن المفهوم السياسي للشرعية هو إن تستمد السلطة وجودها من رضاء المحكومين الشرعية الدستورية تعني أن يكون الدستور بحسبانه القانون الاسمي في بلد من البلاد هو المرجع لتحديد مؤسسات الدولة واختصاصات هذه المؤسسات والقائمين بتمثيلها المعبرين عن إرادتها . والدستور إذ يحدد سلطات الدولة ومؤسساتها يقتضي أن تكون تلك السلطات والمؤسسات خاضعة للدستور عاملة في إطاره لا تعدوه ولا تخرج عليه . ومن هنا قيل أن الدستور تضعه ” السلطة المؤسسة ” في الدولة وان هذه السلطات والمؤسسات داخل الدولة إنما هي سلطات مؤسسة والدولة نفسها في ظل الشرعية الدستورية تعتبر مؤسسة المؤسسات . ومن المنطقي أن السلطة المؤسسة وما تضعه من دستور تأتى في وضع اعلي واسمي من السلطات المؤسسة وما يصدر عنها من قوانين أو قرارات أو حتى أحكام قضائية . كل سلطات الدولة الحديثة من تشريعية وتنفيذية وقضائية تخضع للدستور بحسبان أن الدستور هو سند وجود هذه السلطات جميعاً وهو مصدر شرعيتها فإذا كان ذلك كذلك فانه لا يتصور أن يصدر عن السلطات التشريعية قانون يخالف الدستور وكذلك أيضا لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تصدر قرارات مخالفة للدستور الذي هو سند وجود هذه السلطة وهو الذي أعطاها ما تمارسه من اختصاصات . كذلك السلطة القضائية مع الاختلاف بين طبيعتها وطبيعة السلطتين الأخريين بحسبانها سلطة غير منشئة فهي لا تشرع ولا تسن قوانين ولا تصدر قرارات وأنها هي تفصل في منازعات تثور بين الناس وبعضهم أو بين الناس وأجهزة الدولة أو حتى بين أجهزة الدولة نفسها . السلطة القضائية سلطة غير منشئة بهذا المعني وإنما هي سلطة فصل في المنازعات وهي تفصل في هذه المنازعات علي ضوء أحكام القانون . وأحكام القانون بالمعني الواسع أو عبارة سيادة القانون بمعني اعم تغني حكم أو سيادة القانون . وعبارة حكم القانون أو سيادته the rule of law عني سيادة القاعدة القانونية بمعناها الشامل والذي يبدأ من اعلي بالقاعدة الدستورية ثم تأتى القاعدة التشريعية ثم القرارات الإدارية لائحية أو فردية ولا يتصور أن يوجد مبدأ سيادة القانون كاملا إذا كان القضاء لا يستطيع أن يتصدى لقاعدة قانونية سواء صدرت عن سلطة التشريع أو عن سلطة التنفيذ لكي يعلن إنها مخالفة للدستور أو موافقة له .

هذا هو المفهوم العام البسيط للشرعية الدستورية . وهو مفهوم حديث نسبياً . ذلك أن فكرة الدستور نفسها باعتباره القانون الأساسي أو القانون الذي يسمو علي غيره من القوانين هي فكرة لا يتجاوز عمرها قرنين من الزمان إلا قليلاً . وقبل هذه المرحلة كانت الدولة تقوم أساساً علي حكم الفرد وعلي إرادة هذا الفرد الحاكم أو مجموعة الإفراد الحاكمين . كان معني الشرعية يرجع إلى إدارة الملك أو إرادة الأمير أو إرادة السلطان أو ما شئت من مسميات . كان كل ما يصدر عن هؤلاء يعد مشروعاً ما داموا يتمتعون بسدة الحكم . وكانت إرادة الدولة آنذاك ترتبط بإرادتهم وتختلط بها . لم يكن الملك أو الأمير أو السلطات صاحب ” اختصاص ” يزاوله استناداً إلى قاعدة قانونية وإنما كان يعتبر نفسه وكان يعتبر الناس هو ” صاحب السلطة ” وليس معبراً عنها أو ممثلا لها كما يقال الآن في ظل الشرعية الدستورية أو في ظل مبدأ سيادة القانون . ومن هنا كان صحيحاً من ناحية الواقع ومن ناحية القانون ما قاله لويس الرابع عشر ملك فرنسا فالشرعية هي ليس فقط مقياس لمدى مشروعية تصرفات وأعمال الأفراد العاديين, بل هي أيضا مقياس لأعمال وتصرفات أصحاب صنع القرار في السلطات الحاكمة فرادى أو مجتمعين, لأن هؤلاء ما هم إلا بشر كغيرهم من الأفراد؛ وبالتالي فهم غير معصومين من الخطأ أو الزلل. ولهذا إذا تم الانحراف عن هذه الشرعية و عن جوهر الشرعية, وهو ما قد يدفع نحو ثورة علية كوسيلة للردع وتصحيح المسار بهدف وضع المبادئ التي تشكل جوهر الشرعية موضع تنفيذ عملي. والمشروعية تعني مدى التزام المؤسسات والحكومة بالقانون والدستور، فمن خرج عن القانون والدستور صار محظورًا ومن وافق القانون صار مشروعًا

لكن أغلبية الفقه يميّز بين المفهومين كالآتي : الشرعية : légalité يقصد بها السلطة أو الحكومة التي تستند في وجودها إلى القواعد المحددة في الدستور أو في النظام القانوني، فإذا وجدت سلطة أو حكومة دون أن تعتمد على السند الدستوري أو القانوني فإنها تسمى سلطة أو حكومة فعلية أو واقعية، و بالتالي فهي لا تتمتع بصفة الشرعية. و نشير إلى أنه ليس هناك ترابط بين صفة الشرعية و الواقعية أو الفعلية للحكومة و بين مضمون نشاطها و أهدافها التي تسعى إلى تحقيقها و إنما العبرة من استنادها في وجودها إلى سند قانوني لممارسة السلطة فإذا وجد هذا السند القانوني كانت حكومة أو سلطة شرعية أو قانونية أما إذا انعدم السند القانوني فإنها تكون حكومة فعلية. المشروعية : رغم صعوبة وجود معيار موضوعي واحد لتعريفها غير أنه في الغالب يقصد بالسلطة أو الحكومة التي تتمتع بصفة المشروعية تارة تلك السلطة التي تتفق تصرفاتها و نشاطاتها مع مقتضيات تحقيق العدالة، و تارة أخرى يقصد بها السلطة التي تستند إلى رضا الشعب، و من ثم يمكن القول أن سلطة الحاكم المطلق أو المستبد غير مشروعة و إن استندت إلى نص الدستور القائم أي حتى و لو كانت سلطة قانونية، و على العكس تكون سلطة الحكومة الثورية مشروعة و لو قامت على أنقاض حكومة قانونية كانت تستند إلى أحكام الدستور. و مثال التفرقة بين الحكومة أو السلطة التي تأتي عقب ثورة شعبية فهي تكون حكومة غير شرعية لكنها تتصف بالمشروعية لأن عملها يتقبله الشعب أما السلطة الانقلابية فهي غير شرعية لأنها لم لم تستند في وجودها إلى سند قانوني و كذلك فإنها غير مشروعة لأن عملها لا يرضى به الشعب. إن تحديد طبيعة الصراعات السياسية بالنظر إلى مجال الشرعية والمشروعية، أي بالتساؤل فيما إذا كنا أمام تنازع حول المشروعية أو الشرعية، لم يتم بمفهوم القطيعة بينهما، وإنما تم بدافع تحديد المجال المهيمن في دائرة الصراعات السياسية والممارسة السياسية. فالمجال المهيمن في الصراعات السياسية هو الذي يوجه الحياة السياسية ويمكن من تحديد المسافة التي تفصلنا عن الارتقاء إلى مرحلة تأسيس السلطة السياسية بالمفهوم الذي ذكرناه، أو من الوقوف عند التعثرات التي تعترض هذا الارتقاء. فبقدر ما يتركز التنازع حول المشروعية بقدر ما نبتعد عن تأسيس السلطة أو نخل به ويكون الالتفاف حول قواعد الشرعية الديمقراطية والدستورية –عندما لا يتم رفضها- تكتيكيا خاضعا لمتطلبات الظرفية السياسية ولميزان القوى السياسية. وبقدر ما يصب التنازع في اتجاه تحديد قواعد الشرعية بقدر ما تصب بالممارسة السياسية في تأسيس السلطة السياسية بدعم قواعد اللعبة السياسية في أفق تأسيس ضوابط للحياة السياسية بالشكل الذي يجعلها، مهما كانت تغيراتها، لا تتنافى وسلطة المؤسسات واستقلاليتها لتندرج في إطار سيادة وسمو الدستور. هذا على أنه بقدر ما يحتل الصراع دائرة المشروعية بقدر ما يؤثر ذلك سلبا على كل الأطراف السياسية الفاعلة في النظام السياسي، وبقدر ما يتركز في دائرة الشرعية بقدر ما يستتبع ذلك تقوية كل الأطراف السياسية الفاعلة في النظام السياسي بما فيها قدرة هذا الأخيرة على الاحتواء. يعد مفهوم الشرعية مفهوما غامضا يحاول المحللون تفاديه قدر المستطاع. صامويل هانتجتون هذا أصدق وصف لمفهوم الشرعية الذي تتلاعب به النظم السياسية حول العالم خاصة تلك النظم المستبدة التي تسعي لقمع شعوبها باسم الحفاظ على الشرعية والإبقاء على النظام الحاكم رغم فسادة واستبداده وتدميره للدولة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. الشرعية من حيث التعريف يكاد يكون هناك اتفاق على معناها وهو ” الحق في الحكم” أو “الحق في ممارسة السلطة”. أي أن من حق القائمين على السلطة أن يصدروا الأوامر ويسنوا القوانين وعلى المواطنين الانصياع لهذه القوانين وعدم الخروج عليها وإلا تعرضوا لعقوبات قانونية. في الشريعة الإسلامية : الإسلام بصفة عامة يعطي الأولوية والمكانة الأساسية للدين في تكوين وبقاء الأمة وقبل أن نتطرق إلى هذا الموضوع تجدر بنا تحديد موقف الإسلام من العنصر البشري حيث ينقسم الناس إلى طائفتين المسلمون تربطهم جميعا رابطة الأخوة في الإسلام يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات غير المسلمين : يعتبرون من سكان الدولة الإسلامية وهم طائفتان ذميون وهم المقيمون بصفة دائمة ولهم نفس حقوق وواجبات المسلمين إلا في بعض الأمور الخاصة بهم مستأمنون أجانب غير مقيمين بصفة دائمة عن طريق الأمان أو منح الإقامة إن مدوا الأمة فتح الاجتهاد ولازال مستمرا حتى الآن عموما المعنى الرئيسي الذي تضمنه القرآن الكريم هو الجماعة من الناس التي تكون على دين واحد أو طريقة واحدة فإن قلنا الأمة الإسلامية فنقصد بذلك الجماعة التي تدين بالعقيدة الإسلامية ومن المفكرين من بحث في مفهوم الأمة في الجانب الاجتماعي والتاريخي

الكاتب :

الدكتور عادل عامر
دكتوراه في القانون وخبير في القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية وعضو بالمعهد العربي الاوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة الدول العربية

شاهد أيضاً

وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنّنا نعْلَمُ أَنَّكَ تَكْذِبُ

عند السماع لتصريح وزير خارجية امريكا الذي قال بكل فضاضة ان الخارجية الأمريكية لم نر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كويت نيوز

مجانى
عرض