عواصفنا القادمة

20130505-223344.jpg

كويت نيوز :

يوم أقدم صدام حسين على غزو الكويت، ولم يجد العرب بدا من الاستعانة بقوات التحالف، ثارت في بلادنا عاصفة من الفتاوى والفتاوى المضادة، وناقش علماؤنا فكرة الاستعانة بالكافر على قتال المسلم، فمنهم من عارض ومنهم من أيد. واستطاع الساسة يومها انتزاع تفويض رسمي بجواز الاستعانة بالكفار لقتال طغاة المسلمين من مشاهير الدعاة في عالمنا الإسلامي. وكان لفتوى الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله يومها فصل الخطاب في ذلك الشأن.
وذهبت قواتنا العاجزة عن نصرة الملهوف أو ردع الظالم أو الإصلاح بينهما لتلتحق بذيل ألوية التحرير. وذرت عاصفة الصحراء الرماد في عيون من عارضوا الغزو بعد أن استطاعت قوات التحالف دحر الجيش العراقي وإعادته إلى ثكناته خلف الحدود بعد تدمير قواته الجوية والبرية في السادس والعشرين من فبراير عام 1991.
لكن اعتذار صدام عن الغزو لم يضع نقطة في نهاية السطر، ولم يمثل رحيله المهين عن خارطة الأشقاء وتعهداته بتعويضهم عما اقترفت يداه خاتمة طبيعية للصراع. لم يكن كافيا أن يفيء الرجل إلى أمر الله حتى تضع الحرب أوزارها، لأن ابن أريقط أصر على البقاء هناك حتى يأمن الخليجيون جميعا على أرضهم وديارهم.
وانتهت الحرب، لكن قوى التحرير قررت فجأة أن تتحول إلى قوات غزو بعد أن جمعت من الأسلاب ما أسال لعابها وأغراها بالبقاء في عقر دارنا.
يعلم الله أنني لا أذكر الناس هنا بذلك الفاصل الأسود من تاريخنا المعاصر لأستدر من صدورهم الحسرات، فما لدينا من هموم يكفي ويزيد. لكنني أترحم على أيام كان السياسيون يعتبرون فيها بفتوى العلماء، ويلجأون إليهم طلبا للرخصة أو دفعا للحرج. صحيح أن أمريكا لم تكن كالمطعم بن عدي الذي أجار النبي من الكافرين بعد عودته من الطائف، وأمن له الطواف والصلاة رغم أنه كان على كفره لم يزل. وصحيح أن استعارة عدة الحرب من صفوان بن أمية ليست كشراء الصواريخ والقطع الحربية من دول التحالف، لكن السياسيين كانوا يستخدمون ورقة الدين في الأزمات لتوجيه الرأي العام وكسب ود البسطاء على أية حال.
نتفق أو نختلف حول مشروعية الاستعانة بقوات التحالف لفض نزاعاتنا الغبية، لكننا لا يمكن أن ننكر ما آلت إليه منطقتنا من وهن جراء عواصف التحرير. صحيح تحررت الكويت، لكن العراق أسيرة لم تزل. ورغم انتشار قوات التحالف في بحرنا وأرضنا وسمائنا، إلا أننا لم نعد نشعر بالأمن كما ينبغي، ولم نعد نأمن مكر العواصف بترابنا الوطني ومستقبل أجيالنا.
ولكن، “لو كان تحرير الكويت سنة، فتحرير سوريا فريضة،” هكذا يقول المتنطعون. لكنني أؤكد أن عواصف قوات التحرير لن تهدأ سواء استعنا بهم أم لم نستعن، طالما أن الله آخر من نفكر في الاستعانة به. وفرائضنا اليوم كثيرة أيها الفرحون بالعواصف، ففي بورما ومالي والصين وعشرات البقاع في محيطنا الآسن تتعالى نداءات الاستغاثة دون أن يسمع لها أحد أو يستجيب أحد. لكن مظلات التحرير لا تهبط إلا على أراضينا الخصبة.
طالما بقيت في شرقنا الأوسطي نقطة نفط، سنظل هدفا للعواصف من كل حدب وصوب. فلا حاجة إذن لفتاوى العلماء أو لتبرير المشاركة في قتال كتبته قوى التحرر علينا وهو كره لنا، فالعواصف قادمة إلى أرضنا الخصبة لا محالة، وعلى العلماء أن يضعوا أقلامهم لأن ساسة اليوم غير ساسة الأمس وإن كانت عواصفنا واحدة.

الكاتب :

عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات

شاهد أيضاً

وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنّنا نعْلَمُ أَنَّكَ تَكْذِبُ

عند السماع لتصريح وزير خارجية امريكا الذي قال بكل فضاضة ان الخارجية الأمريكية لم نر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كويت نيوز

مجانى
عرض