1280x960 (67)

كويت نيوز: تبقى حروف قليلة في صفحات كتاب صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الذي كانت الكويت ولاتزال وسوف تبقى تسكن في قلبه، عشقها فأخلص لها وكرس حياته لخدمتها والوفاء لها، حيث قال في أول خطاب له بعد توليه الحكم «إن الكويت هي التاج الذي على رؤوسنا، وهي الهوى المتغلغل في أعماق أفئدتنا».

يستذكر الكويتيون اليوم لحظات تاريخية مرت بها الكويت قبل 11 عاما، حين وقف صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد تحت قبة البرلمان ليؤدي اليمين الدستورية أميرا لدولة الكويت، إيذانا ببدء مسيرة جديدة من العمل والعطاء، واستكمالا لما بدأه أسلافه من حكام الكويت.

ففي 29 يناير 2006 تولى سمو الشيخ صباح الأحمد مسند الإمارة، وسط تأييد شعبي ورسمي كبير حيث تمت مبايعته بالإجماع من قبل أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية أميرا للبلاد.

ولدى الحديث عن تاريخ الشيخ صباح الأحمد، الحاكم الخامس عشر لدولة الكويت، فإن سيرته الحافلة انطلقت من كونه الابن الرابع للشيخ أحمد الجابر الذي توسم في نجله الفطنة والذكاء في سن مبكرة، فأدخله المدرسة المباركية.

بعد ذلك تم إيفاده إلى بعض الدول، لاسيما الأجنبية منها للدراسة واكتساب الخبرات والمهارات السياسية التي ساعدته في ممارسة العمل بالشأن العام، منذ أن عين بادئ الأمر عام 1954 عضوا في اللجنة التنفيذية العليا التي عهد إليها آنذاك مهمة تنظيم مصالح الحكومة ودوائرها الرسمية.

كان الشيخ صباح الأحمد قد تولى عام 1955 منصب رئيس دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، حيث عمل على تنظيم العلاقة بين العمال وأصحاب العمل، خصوصا في ظل التدفق الخارجي من الدول العربية والأجنبية للعمل في الكويت واستحداث مراكز التدريب الفني والمهني للشباب ورعاية الطفولة والأمومة والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتشجيع قيام الجمعيات النسائية والاهتمام بالرياضة وإنشاء الأندية الرياضية.

وأولى الشيخ صباح الأحمد اهتماما بالفنون وعلى رأسها المسرح، حيث أنشأ أول مركز لرعاية الفنون الشعبية في الكويت عام 1956، وفي عام 1957 أضيفت الى مهامه رئاسة دائرة المطبوعات والنشر، إذ عمل على إصدار الجريدة الرسمية للكويت (الكويت اليوم)، وتم إنشاء مطبعة الحكومة لتلبية احتياجاتها من المطبوعات، ووقتها تم إصدار مجلة العربي.

الاستقلال والدستور

وبعد استقلال دولة الكويت عام 1961 عين الشيخ صباح الأحمد عضوا في المجلس التأسيسي الذي عهدت إليه مهمة وضع دستور البلاد، ثم عين في أول تشكيل وزاري عام 1962 وزيرا للإرشاد والأنباء.

وفي 28 يناير 1963 وبعد إجراء أول انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء مجلس الأمة، عين الشيخ صباح الأحمد وزيرا للخارجية، لتبدأ مسيرته مع العمل السياسي الخارجي والدبلوماسية التي برع فيها ليستحق عن جدارة لقب مهندس السياسة الخارجية الكويتية وعميد الدبلوماسيين في العالم، بعد أن قضى 40 عاما على رأس تلك الوزارة المهمة ربانا لسفينتها في أصعب الظروف والمواقف السياسية التي مرت على دولة الكويت.

ومن أبرز المواقف التي مرت على “الخارجية” الكويتية أثناء قيادة الشيخ صباح الأحمد لها حين رفع سموه علم الكويت فوق مبنى الأمم المتحدة، بعد قبولها عضوا فيه في 11 مايو 1963.

وساطة ناجحة

وقام الشيخ صباح الأحمد عام 1980 بوساطة ناجحة بين سلطنة عمان وجمهورية اليمن الديمقراطية، نتج عنها توقيع اتفاقية خاصة بإعلان المبادئ، ومن ثم وجه سموه الدعوة لوزيري خارجية الدولتين لزيارة الكويت عام 1984، حيث اجتمع الطرفان على مائدة الحوار، وتوصلا الى الإعلان عن انتهاء الحرب الإعلامية بينهما واحترام حسن الجوار وإقامة علاقات دبلوماسية.

وعلى مدى أربعة، عقود تمكن سموه من قيادة السياسة الخارجية الكويتية إلى بر الأمان من خلال انتهاجه مبدأ التوازن في التعامل مع القضايا السياسية بأنواعها، فاستطاع بعبقريته السياسية أن يتخطى بالكويت مراحل حرجة في تاريخها.

ولعل من أبرز تلك المراحل الحرب العراقية – الإيرانية التي استمرت من عام 1980 حتى عام 1988 وما نتج عنها من تداعيات أثرت على أمن الكويت واستقرارها داخليا وخارجيا.

وبذل سموه طوال سنوات قيادته لوزارة الخارجية جهدا كبيرا في تعزيز وتنمية علاقات الكويت الخارجية مع مختلف دول العالم، وخصوصا الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.

وشهدت البلاد نتيجة ذلك استقرارا في سياستها الخارجية وثباتا اتضحت ثماره في الثاني من أغسطس عام 1990 عندما وقف العالم أجمع مناصرا للحق الكويتي في وجه العدوان العراقي والذي أثمر صدور قرار مجلس الأمن رقم 678 الذي أجاز استخدام كل الوسائل بما فيها العسكرية ضد العراق ما لم يسحب قواته من الكويت.

ونظرا إلى ما يتمتع به من فطنة وذكاء وقدرة فائقة على تحمل المسؤولية، فقد أسندت إلى سموه العديد من المناصب، إضافة إلى منصب وزير الخارجية، حيث عين وزيرا للإعلام بالوكالة في الفترة من 2 فبراير 1971 حتى 3 فبراير 1975، وفي 16 فبراير 1978 عين نائبا لرئيس مجلس الوزراء، وفي 4 مارس 1981 تسلم حقيبة الإعلام بالوكالة إضافة إلى وزارة الخارجية، وذلك حتى 9 فبراير 1982.

وفي 3 مارس 1985 عين نائبا لرئيس مجلس الوزراء وزيرا للخارجية حتى 18 أكتوبر 1992 عندما تولى منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، وفي 14 فبراير 2001 أسندت إلى سموه مهمة تشكيل الحكومة الكويتية بالنيابة عن ولي العهد رئيس مجلس الوزراء آنذاك الأمير الوالد الراحل الشيخ سعد العبدالله، طيب الله ثراه، بسبب ظروفه الصحية، وفي 13 يوليو 2003 صدر مرسوم أميري بتعيين سمو الشيخ صباح الأحمد رئيسا لمجلس الوزراء.

رحلة نجاح

ولم تتوقف مسيرة نجاحات سمو الشيخ صباح الأحمد عند محطة السياسة الخارجية فقط، وإنما استمر هذا العطاء والنجاح عند توليه قيادة دفة السياسة الداخلية للبلاد، فقد حرص منذ اللحظات الأولى لتوليه منصب رئاسة الوزراء على تبني رؤية شاملة وعميقة للتنمية في الكويت تطول مختلف قطاعات الدولة، وعلى رأسها القطاع الاقتصادي، فقام سموه بتشجيع القطاع الخاص وفتح فرص العمل الحر أمام الشباب الذين يضعهم سموه في مقدمة اهتماماته ورعايته من خلال دعم المشروعات الصغيرة.

وتعزيزا لاهتمامه بتنمية القطاع الاقتصادي في الدولة قام سموه عام 2004 بجولة آسيوية على رأس وفد اقتصادي رفيع المستوى شملت الصين واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، وتمكن من عقد 10 اتفاقيات وبروتوكولات ومشاريع اقتصادية ضخمة مع هذه الدول.

واستمر صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد في مسيرة العطاء رئيسا للحكومة الكويتية حتى يناير عام 2006 عندما اجتمع مجلس الوزراء واتخذ قرارا بالإجماع بتزكية سموه أميرا للبلاد وفقا للمادة 3 من قانون توارث الإمارة الصادر عام 1964.

وانطلاقا من هذا القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء ومن مبايعة أسرة آل الصباح عرض الأمر وفقا للدستور على مجلس الأمة الذي عقد جلستين يوم الأحد 29 يناير 2006 خصصت الأولى لمبايعة أعضاء مجلس الأمة لصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد أميرا للبلاد، فيما خصصت الجلسة الثانية لتأدية سموه القسم الدستوري أمام المجلس بحضور جميع أعضاء مجلس الوزراء.

ومنذ ذلك اليوم التاريخي بدأت أسطر جديدة تكتب في تاريخ الكويت وفي مسيرة سموه في قيادة هذا الوطن العزيز، حيث استمر في تكريس رؤيته الثاقبة في الاهتمام بالاقتصاد لأنه عصب التنمية والتطور في أي مجتمع.

نهضة شاملة

وعلى مدى 11 عاما من تولي سمو الشيخ صباح الأحمد مقاليد الحكم شهدت البلاد نهضة تنموية شاملة مرتكزة على مجموعة من المشاريع الضخمة من أبرزها مدينة (صباح الأحمد البحرية) التي تعد أول مدينة كاملة ينفذها القطاع الخاص، ما يدل على تشجيع سموه على إعطاء هذا القطاع دورا أكبر في المساهمة في تنمية الكويت وتنشيط عجلة الاقتصاد.

ونفذت الحكومة الكويتية تحت قيادة سموه ووفقا لتوجيهاته السامية العديد من المشاريع العملاقة التي ترتبط بمختلف القطاعات الخدمية في البلاد، مثل مشروع مستشفى جابر وميناء مبارك وجسر جابر الذي يربط بين الصبية ومدينة الكويت.

وتم أيضا تطوير العديد من الطرق الرئيسة، وإنشاء شبكة من الجسور، ومشروع مصفاة الزور، ومبنى المطار الجديد، واستاد جابر الرياضي، إضافة إلى تنفيذ المدن الإسكانية الجديدة، ومن أبرزها مدينة المطلاع السكنية العملاقة.

ولم يغفل صاحب السمو عن إدراك أهمية بناء المجتمع الكويتي من الداخل والحفاظ على وحدته وتماسكه في ظل الأخطار والتقلبات التي تعصف بالمنطقة من حين لآخر، فكان التفجير الإرهابي الذي تعرض له مسجد الإمام الصادق في 26 يونيو 2015 أكبر دليل على تلاحم القيادة والشعب في الكويت في مشهد مهيب وقف له العالم إكبارا وتقديرا.

فبعد فترة قصيرة من وقوع حادث التفجير الإرهابي الذي أودى بحياة 26 شهيدا وعشرات الجرحى سارع صاحب السمو أمير البلاد الى الحضور شخصيا الى موقع الحادث غير عابئ بالأخطار التي قد تحيط به أو تهدد سلامته، ليطلق جملته الإنسانية الشهيرة “هذولا عيالي”.

وعقب مراسم العزاء التي تقدمها أمير البلاد، وحضرتها جموع الشعب الكويتي قاطبة، قال سموه في كلمة له: “إن هذه الأزمة أبرزت بجلاء حقيقة الشعب الكويتي وأصالة معدنه وتكاتفه في السراء والضراء، أسرة كويتية واحدة تسودها المحبة والألفة ويجمعها حب الوطن والولاء له والالتفاف حول قيادته في مواجهة العنف والفكر التكفيري المتطرف”.

السياسة الخارجية

وعلى الصعيد الخارجي، تبوأت الكويت نتيجة لسياسات صاحب السمو ورؤيته الحكيمة القائمة على تولي زمام المبادرات في العمل الخيري الإنساني مركزا مرموقا بين دول العالم خلال السنوات العشر الماضية استحقت تكريم الأمم المتحدة لسمو أمير البلاد بتسمية سموه “قائدا للعمل الإنساني” ودولة الكويت “مركزا للعمل الإنساني”، خصوصا بعد أن استضافت الكويت المؤتمر الدولي للمانحين لدعم الوضع الإنساني في سورية لثلاث دورات متتالية على أرضها، معلنة تبرعها السخي بمئات الملايين لإغاثة اللاجئين السوريين في دول الجوار لسورية.

ولم تنس الكويت القضية الفلسطينية التي اعتبرتها قضيتها العربية الأولى منذ بدايتها وحتى اليوم، فاستمر الدعم الكويتي للفلسطينيين، وازدادت وتيرته في عهد صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد.

ففي يناير 2009 أعلنت الكويت تبرعها بـ 34 مليون دولار لمصلحة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تبعها في مارس من العام نفسه تقديم الكويت مبلغ 200 مليون دولار للسلطة الفلسطينية تدفع على مدى 5 سنوات ضمن برنامج إعادة إعمار غزة، وفي نوفمبر 2012 وقعت دولة الكويت اتفاقية مع البنك الدولي تساهم بموجبها بمبلغ 50 مليون دولار لدعم البرنامج الفلسطيني للإصلاح والتنمية الذي يشرف عليه البنك.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *