سوريا .. الوطن المستباح

20130501-221908.jpg

في مؤتمر صحفي حاشد عقد يوم الثلاثاء الماضي بالعاصمة الأمريكية واشنطن، قرر الرئيس الأمريكي الخروج عن صمته حيال الملف السوري بعد شهور من المناشدات المخجلة من أرباب العجز العربي ليفصح عن معلومات استخباراتية أمريكية تؤكد استخدام غاز السارين في معادلة الصراع هناك، غير أن الرجل لم يؤكد التقارير التي سبقته إليها كاميراتنا العربية الفذة، ومواقع تواصلنا الثرثارة بأن الجيش السوري هو الجهة الوحيدة التي تستطيع استخدام السارين هناك. يبدو أن المخابرات الأمريكية تعاني نقصا حادا في عدد المترجمين العرب، وصعوبة بالغة في التواصل مع غلمانها بيننا!
لكن المؤكد أن الرجل لم يخرج عن صمته فجأة استجابة لمناشدات الشيخ القرضاوي التي أطلقها من فوق منبره القطري، ولم يفعل ذلك نصرة للحق ولا من أجل الله كما استحلفه الرجل. فقد أعلن أوباما صراحة أن لديه حساسية مفرطة ضد غاز السارين ولون الرغوة البيضاء التي تتجمع حول الأشداق الفاغرة فوق ترابنا المستباح، وأنه مستعد للدفاع عمن تبقى من المدنيين هناك بكل ما أوتي من مارينز.
لا حرمة للأحمر في شريعة الرجل إذن، ولا قيمة للهاثنا المحموم نحو عتباته البيضاوية، ولا قيمة عنده لعدد الأنفاس التي تخرج في شامنا المنكوب دون رغبة في العودة ودون قدرة عليها. فغاية ما يثير الرجل عندنا ذلك الدخان الأبيض الذي يتسرب خلسة من سراديب التاريخ المفخخة ليخلق أعذارا مؤقتة لا نملك لعقاربها إيقافا أو لدقاتها كتما. لم يتبق من مسلسلهم المكرور إذن إلا تفويض من مجلس الأمن يحل لهم ما حرم ذات عزة من تحليق مبرر في أجوائنا المستباحة.
وفي نفس التوقيت، يعلن حسن نصر الله في صفاقة غير معهودة تورطه في المستنقع السوري وأنه مستعد للدفاع عن النظام السوري المقاوم حتى آخر قطرة من دماء مقاتليه، لكنه لم ينس كالعادة أن يمهر بشاعة المشاهد التي خلفها مجاهدوه فوق التراب السوري بخاتم مقدس، فيتوعد من يقترب من المقامات المقدسة ولا سيما مقام السيدة زينب بالويل والثبور وفظائع الأمور، وكأن في جعبة انتهاكاته زيادة لمستزيد.
وبين المتوسلين لأمريكا والمتوسلين للعتبات المقدسة، يسقط كل يوم آلاف المسلمين الذين لا ذنب لهم إلا أنهم يقولون ربنا الله ويجدون من يبرر سفك دمائهم بفتاوى مقدسة. في سوريا، وفي غير سوريا، تزهق كل يوم آلاف الأنفس وتنتهك آلاف الحرمات تحت ذريعة الدفاع المقدس عن العتبات، وكأن الدم المسلم في شريعة المبررين لسفكه ليس مقدسا.
ومن المضحكات المبكيات أن يستنصر علماء الدين عندنا بمن يستمرئون سحقنا وقتلنا واحتلالنا. من المضحكات المبكيات أن يتحول العنف والقتل في عرفنا إلى شريعة، وأن يجد قابيلنا وهابيلنا مشرعين يتطوعون بفتاوى الفتنة عند كل نازلة. ومن المخجل أن نقرأ في صفحات تاريخنا المضللة عن أمة كل قتلاها شهداء، وكل قتلاها في النار.
اليوم يخرج أوباما عن صمته، ويخرج الاتحاد الأوروبي عن تحفظاته، ويخلع حزب الله برقع التحفظات ويستعين الشيخ القرضاوي بأمريكا. وغدا، تسبح طائرات الأطلسي في سماواتنا المفتوحة لتزهق بحممها المباركة أطفالنا ونساءنا وتهدم الصوامع والبيع والصلوات وبيوت يذكر فيها اسم الله كثيرا. لكن الشام بعدها لن تكون لنا، بعد أن تنبت الأرض من بغضها وشنآنها ما لن يسمح لمن بقي على قيد الرعب منا إمكانية للتعايش.
حتما ستخرج طائراتهم التي تتحرق جمرا فوق عتباتنا غير المقدسة، ويقينا سيسقط النظام السوري المقاوم جدا ليحل محله نظام آخر أكثر مقاومة، لكنني لا أعرف يقينا أي شيء سيقاوم. وستبارك غاراتهم المقدسة وجوهنا المتهللة حتى حين. هكذا نسقط كل يوم في نفس البئر بنفس البراعة، لأننا نمتلك ذاكرة ذبابة ، ولا نذكر الله إلا عند كل سارين.

الكاتب :

عبد الرازق أحمد الشاعر
أديب مصري مقيم بالإمارات

شاهد أيضاً

وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنّنا نعْلَمُ أَنَّكَ تَكْذِبُ

عند السماع لتصريح وزير خارجية امريكا الذي قال بكل فضاضة ان الخارجية الأمريكية لم نر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كويت نيوز

مجانى
عرض