الشيخ صالح المحمد ،،، رجل من زمن آخر

  
كويت نيوز : في الأوطان رجال يحفرون في ذاكرة التاريخ اسماءهم، وتخلد الشعوب مآثرهم، وتسير أجيال على خطاهم. يجهدون انفسهم في بناء القواعد الصلبة ووضع الأسس الراسخة وترسيم الأطر الواضحة لضمان سلامة البناء وانتظام العمل وديمومة الأداء مع كل ما يتطلبه ذلك من عزم وحزم واصرار وتصميم وتضحيات. كان المرحوم بإذنه تعالى الشيخ الزعيم صالح المحمد الرجل الذي حمل على عاتقه مع المرحوم الفريق مبارك عبدالله الجابر وزملائهما من الرعيل الأول التصدي لمهمة بناء الجيش الكويتي الحديث على أسس حديثة وقواعد صلبة، ولم يكن لذلك ان يتم لولا الكثير من العمل والحزم والانتقاء بعيدا عن المجاملات والتسييس والانتفاع.

ليس من السهل رثاء رجل بقامة الشيخ صالح المحمد، كما انه ليس من السهل تجاوز غيابه دون الوقوف طويلا امام خلقه الرفيع وشخصيته المهيبة وتاريخه الحافل وسمعته الناصعة. ليس من السهل نسيان مجلسه الكريم ونبرته الهادئة الوقورة وفكره النير وفراسته المميزة وإلمامه بالأصول والفروع وتاريخ الرجال والقبائل والاحداث، وأبوته الطاغية ووفائه النادر وغيرته الوطنية ودوره القومي اثناء قيادته للواء اليرموك في مصر فور اندلاع حرب 1967، كان رحمه الله يرى الوطنية كتلة متكاملة من تاريخ ونظام ودستور وقانون والتزام.

حدثني ذات ليلة ظلماء كئيبة خلال الاحتلال الآثم بنبرته الهادئة الوقورة، سائلا عن الاوضاع وأحوال الناس والوطن والمحتلين، وكان قد غادر الكويت لتوه مرغما بعد فترة من الصمود والانتقال والمتابعة والتواصل، كان ذاك الاتصال الاول الناصح والموجه والملهم كافيا ليشعل فينا جميعا روح التضحية وليذكرنا بقيمنا وتربيتنا العسكرية ودورنا تجاه أهلنا وولائنا لوطننا ونظامنا.

في بواكير شبابنا وبدايات حياتنا العسكرية كان اسم الشيخ صالح ايقونة تشع في زوايا عقولنا ووجداننا لتلهمنا الانضباط والالتزام والاهتمام والاتقان والاحساس الرفيع بالمسؤولية. شخصيته الكاريزمية وصرامته وحزمه لم تكن لتسمح بأي انحراف أو خطأ أو خلل. حركته الدائمة وتفقده المستمر كانا قد رسخا في قناعة العسكريين في كل مواقعهم ومعسكراتهم التأهب لاحتمال اتصاله او ظهوره المفاجئ في أي موقع أو وقت أو ظرف. كان رحمه الله عادلاً وقوياً بالحق وحازماً دون ظلم، كما كانت معايير الرجولة والشجاعة والكفاءة عنده عالية ليس من السهل الوصول إليها. وجوده رسخ في وجدان العسكريين ثقتهم بمؤسستهم العسكرية وإيمانهم بضوابط الأداء ومعايير الإنجاز وقواعد السلوك، لم يكن ليسمح لمتنفذ أن يخترقها أو لنائب أن يفرضها أو لمتوسط أن يغيرها او لقريب أن يؤثر في مسارها وثباتها، فارتقى الأداء وترسخ الانتماء، فتميز الجيش الكويتي عما حوله من الجيوش.

العم بوخالد، لم يكن في حاضرنا ما يعجبك فاعتزلت، ولم يكن في اهتمامات الناس ما يهمك فابتعدت، سوف نفتقدك كثيرا، سنفتقد جلسة الاثنين الخاصة وسؤالك الدائم وروحك الجميلة وحديثك العذب وتوجيهك المهذب ومحبتك الصادقة.

كم هو شاق وقاس رثاء قامة مهيبة وشخصية نادرة كالشيخ الزعيم صالح المحمد الصباح، الرجل الذي سيبقى مصدر إلهام وفخر لقواتنا المسلحة.

يقول الجنرال الاميركي ماك آرثر القائد الأعلى لقوات الحلفاء في منطقة جنوب غرب المحيط الهادي «ان قدامى الجنود لا يموتون، انهم فقط يتلاشون من الوجود».

أسأل الله أن يديم سيرتك ومسيرتك من خلفت من بعدك خالد وسالم ومحمد يحفظهم الله، وأن يرحمك رحمة واسعة وان يسكنك جنات النعيم.
الفريق الركن المتقاعد 

أحمد محمود الرحماني

شاهد أيضاً

وَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَعْلَمُ أَنّنا نعْلَمُ أَنَّكَ تَكْذِبُ

عند السماع لتصريح وزير خارجية امريكا الذي قال بكل فضاضة ان الخارجية الأمريكية لم نر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

كويت نيوز

مجانى
عرض